الوفي تكتب: مغاربة المهجر..الأزمة والحلول

نزهة الوفي *
 
تقديرا واعتزازا بالدور الكبير للمغاربة القاطنين بالخارج، وبالعاملات والعمال والمهاجرين ومساهمتهم في  التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن ولمكانتهم المتميزة في دعم وتقوية النسيج الاقتصادي الوطني، بالاضافة إلى ما تمثله هذه الفئة من المواطنين من رهانات استراتيجية ومصالح حيوية بالنسبة للمغرب أفرد دستور 2011، ولأول مرة فصولا  خاصة بهم تنص بكل وضوح على “تمتع مغاربة الخارج بجميع حقوق المواطنة، وصيانة مصالحهم ببلدان الاقامة والدفاع عليها دولة وحكومة”.

وبهذا تضع هذه الوثيقة الدستورية، حدا للمقاربة “المناسباتية” في تدبير ملف هذه الفئة من المواطنين بالوقوف المستمر على أوضاع جاليتنا، وخاصة منهم العمال والعاملات واقتراح الحلول والمبادرات الهادفة إلى تحقيق انتظاراتهم وحاجياتهم الملحة والانصات إلى مشاكلهم وهمومهم ومعاناتهم اليومية في مواجهة مختلف التحديات بالنظر إلى الوضعية الصعبة التي يجتازها سوق الشغل العالمي، ولتبني أيضا مقاربة منسجمة متناغمة “تعزز ما تحقق لفائدتهم من خلال البرامج الوطنية للنهوض بقضايا المغاربة المقيمين بالخارج لكل المؤسسات المعنية بقضاياهم”.
نحن اليوم، لسنا محتاجين فقط،  للتذكير بما تستوجبه المقتضيات الدستورية، لكن الوضعية الخانقة والمتأزمة التي توجد عليها آلاف من النساء والرجال والأطفال لمغاربة المهجر تستدعي الفعل والالتزام بالواجب إزاء محنة تتعدد أشكالها وتمثلاتها يوما بعد يوم.
 
فالأرقام تفيد أن أعداد المهاجرين المغاربة في حالة بطالة متزايدة، فبعد الأزمة، بدأنا نلاحظ ظاهرة العودة، إذ وفق تقارير اسبانية  بلغ معدل بطالة المهاجرين المغاربة باسبانيا لوحدها 40%، وهو الأمر الذي أسهم في تسريع وتيرة عودة المهاجرين المغاربة، حيث “أن أزيد من 150 ألف مهاجر مغربي بدول أوروبا الغربية عادوا إلى المغرب نهائيا بعدما بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها في السنتين الأخيرتين، مما دفعتهم إلى حزم  حقائبهم والعودة إلى الوطن الأم بشكل نهائي بسبب تداعيات الأزمة وصعوبة العيش بعدما تم تسريحهم من عملهم أوتجارتهم وأصبحوا يعانون  البطالة وصعوبة مواجهة تكاليف الحياة هناك بما فيها تمدرس أطفالهم.

وفي ذات السياق، هناك فئة تتوسع يوما بعد يوم من عمالنا بايطاليا واسبانيا في حالة شتات أسري لازالت تبحث عن مأوى آخر في بلد آخر ببلجيكا أو فرنسا أو ألمانيا.
وأنت تنصت إلى حكاياتهم وهمومهم تؤمن أكثر بذكائهم وقوتهم على التحدي والابتكار و لكن هذا لا يكفي لأنهم ليسوا يتامى لا وطن وراءهم، فهذا يملي على الدولة والحكومة أن تبتكر الحلول الإبداعية وتصل إليهم مبادرات مقصودة تخفف عنهم تداعيات أزمة تعمقت وطالت.
ومع اقتراب انطلاق جولات الحوار الاجتماعي، الواجب الوطني يملي علينا أن نضع ملف 15% من المواطنين المغاربة، الذين أسهموا لعقود بصمت في السلم الاجتماعي، في صدارة هذا الحوار بفعل المقتضى الدستوري (الفصل 16 ).
وثانيا ردا للجميل، وثالثا استباقا للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية على المغرب، فهؤلاء الذين يوجد أكبر تجمع لهم في أوروبا ( فرنسا مليون 15 ألف – اسبانيا 836 ألف مهاجر- ايطاليا 487 ألف مهاجر – بلجيكا 298 ألف مهاجر وهولندا 265 ألف مهاجر) أي ما يمثل 80 بالمائة من أفراد الجالية المغربية بالخارج يشكلون عنصرا أساسيا في تحريك وتقوية الاقتصاد الوطني، حيث يتم تحويل ما يناهز 58 مليار درهم حسب المعطيات الرسمية 2011.
 
إن العودة المفروضة عليهم هي وضعية لها إفرازات قوية، ففي اسبانيا وايطاليا حيث أن مئات المغاربة عادوا بشكل نهائي إلى المغرب بسبب البطالة والأوضاع المالية الصعبة، وحسب بعض التقارير الرسمية الايطالية، فإن أزيد من 550 ألف مهاجرا يعاني البطالة والفقر وصعوبات كبيرة في تغطية حاجياته الضرورية للحياة من تغذية وسكن وماء وكهرباء وتدفئة وتمدرس أبنائه؛ وهي وضعية ستكون لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الوضع الاجتماعي بالمغرب بحكم تحمل المهاجرين لنفقات أسرهم بالمغرب، كما أن أغلب المهاجرين يقضون عطلتهم السنوية بين أقاربهم، بما  في ذلك المعاناة مع الادارة بالتنقل بين الادارات والمصالح المختصة لقضاء مصالحهم تحت وابل من الرسوم والعراقيل وأحيانا الاهانات.
هذا فضلا على المتغيرات الديمغرافية والسوسيوثقافية المتسارعة التي تعرفها الشغيلة المغربية بالخارج، من قبيل ظهور أجيال جديدة، وتقاعد الجيل الأول من الشغيلة المغربية، وما تفرزه من مشاكل متنوعة، واحتياجات ومطالب عديدة.

ففي ظل هذه التحولات المتسارعة والمتغيرات الناجمة عن الأزمة المالية الدولية وانعكاساتها على أوضاع شغيلتنا وجاليتنا عموما، ومن أجل المساهمة والتفاعل الإيجابي والمواطناتي مع البرنامج الحكومي الذي جعل من ضمن أولوياته النهوض بقضايا المغاربة القاطنين بالخارج وخصص ولأول مرة محاور خاصة من أجل بلورة رؤية مستقبلية واضحة المعالم لمواجهة التحديات سواء داخليا أو خارجيا والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عنها.
 
حيث أن الالتزام بالبرنامج الحكومي إزاء هذه الفئة من المواطنات والمواطنين يعني أن لا يحجب ما يعيشه المغرب من مخاض عسير لانطلاق التغيير ومعركة الديمقراطيين لمواجهة مناهضي إصلاح قضايا الشغيلة المغربية بالخارج، والتي تمر بمرحلة عصيبة بسبب التراجع الكبير في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأجراء الأجانب ببلدان الاستقبال، التي لازالت لا تتوفر على أجوبة واضحة وملموسة فيما يخص حماية حقوقها داخل وخارج الوطن، ولا على مستوى مطالبها المستعجلة كتحويل التقاعد، وتفعيل وتحيين بعض الاتفاقيات،  على مستوى انتظاراتها الاستراتيجية بفعل سياسات متتالية متعثرة عنوانها السيبة والمقاربة الأمنية. وهذا الالتزام يعني ما يلي:

1- ألا يظل ملف المغاربة القاطنين بالخارج سحابة صيف مناسباتي، لا يأخذ حظه من النقاش الوطني الحقيقي مثال ذلك مكانه في الحوار الاجتماعي الجاري بين النقابات والحكومة لمعالجة المشاكل القائمة والمزمنة، والتي تزداد تعقيدا مع تعثر وجود سياسة عمومية مندمجة وموحدة بين مختلف المتدخلين في هذا الملف (الوزارة المكلفة بالجالية المقيمة في الخارج، مجلس للجالية المغربية بالخارج، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن).
وخاصة مع تفاعلات وتأثيرات الأزمة الدولية التي أفرزت أزمات اقتصادية وكوارث اجتماعية في بلدان أوروبا خاصة، وزادت من تعقيد أوضاع العمال والعاملات المهاجرين المغاربة من حيث الشغل السكن والنقل والعلاج والتمدرس والحاجيات الأسرية الضرورية وتخلف بعض الدول عن التزاماتها في تفعيل مجموعة من المقتضيات خاصة فيما يخص حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعاملات والعمال وأفراد أسرهم، بفعل التداعيات المتوالية لهذه الأزمة وتضاعف نسب البطالة في صفوف المهاجرين المغاربة خاصة في عدد من الدول الأوربية التي تعيش ركودا اقتصاديا حادا، والتي تشهد ارتفاع لمعدلات البطالة إلى أرقام قياسية، ولجأت إلى برامج التقشف والتقليص من النفقات العامة والاجتماعية، وكان المغاربة هم أقوى جالية تؤدي تبعات وفاتورة الأزمة، وبسبب ذلك تحولت حياتهم هناك إلى جحيم مع تنامي المد العنصري في العديد من هذه الدول.
وحسب المعطيات المتداولة فإن نسبة البطالة لدى المغاربة المقيمين في الخارج تمثل ضعف تلك المسجلة لدى الجنسيات الأخرى، إذ  وصل هذا العدد في اسبانيا على سبيل المثال إلى 155 ألف عامل وعاملة عاطل من أصل 836 ألف مهاجر مغربي بهذا البلد ولا يختلف الأمر عن ذلك في بلدان أخرى كإيطاليا.

2-  تفعيل اللجنة الوزارية المختلطة التي يرأسها رئيس الحكومة، والتي يوضح مرسومها أن مهامها “وضع برنامج سنوي للمساهمة في بعض الحلول والمبادرات لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والادارية لجاليتنا والوقوف على قضاياهم الحقيقية والمستعجلة لرعاية المهاجرين المغاربة في وضعية صعبة أو غير قانونية فيما يخص متابعة الملفات الاجتماعية، مثل قضايا السكن والعلاج والرعاية الصحية للمتقاعدين، ووضع برنامج وطني استعجالي شامل للعائدين من أجل ضمان استقرارهم المادي والمعنوي، وحصر لوائح العائدين للوقوف على مشاكلهم في الرعاية الصحية والاجتماعية وتمدرس أبنائهم ومساعدة من يتوفرون على إمكانيات لاستثمار أموالهم دون استنزاف جيوبهم بالرسوم والضرائب والعراقيل والابتزاز وتفعيل الاتفاقيات الدولية والثنائية بين المغرب وبلدان الاستقبال، قضايا تحويل رواتب التقاعد، والتعاون مع جمعيات المهاجرين المغاربة بالخارج. والتفكير في إشكالات الدعم الاجتماعي وتمدرس الأبناء ومتابعة أوضاع العائدين منهم إلى الوطن بصفة نهائية بسبب الأزمة، من أجل المساهمة في معالجة مشاكلهم الراهنة من خلال المبادرات وباعتماد المقاربة التشاركية مع جميع المؤسسات المعنية بهذا الملف والادارات الوطنية للتواصل معهم والاستماع إلى مشاكلهم وتقديم الخدمات لتجاوزها والتخفيف من معاناتهم والاستفادة من تجربة وخبرة ومؤهلات عمالنا وعاملاتنا المهاجرين في عدة مجالات سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية.

3- تقوية حضور جاليتنا في المجال السياسي والاقتصادي والدبلوماسي في بلاد المهجر والانهاء من حالة تغييبهم الفعلي في عدة مجالات سياسية واقتصادية على المستوى الوطني، والعمل على أن نجعل منهم قوة اقتراحية ونقدية بالفعل لسياساتنا العمومية في تدبير ملفهم بكل تفاصيله وبالتالي الاستفادة من مؤهلات وقدرات المغاربة القاطنين بالخارج في مجالات أخرى، وهذا لا يناقض الاهتمام بدعم تجذرهم في بلدان الاستقبال وجعلهم سفراء ودبلوماسيين للدفاع عن وحدتنا الترابية ومواقف المغرب اتجاه عدة قضايا وتكوين لوبيات ضاغطة داخل هذه البلدان ترعى مصالح المغرب وتدافع عن قضاياه الكبرى وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية؛ بل إن الأمرين متكاملان، كما تدل على ذلك مجموعة من التجارب الرائدة وهذا حتى لا يبقى العمال والعاملات وكأنهم فقط رقم في الحساب البنكي للدولة المغربية.

4-المساهمة في تنظيم حوار حقيقي بين ممثلي المهاجرين المغاربة والحكومة بجدول أعمال محدد سلفا يضع القضايا ذات الأولوية في مقدمة المفاوضات مع تجاوز العقلية التقليدية في جعل الجمعيات أداة ضبطية وأمنية ودعمها لتكون جمعيات قوية ضمانا للفاعلية وضرورة تمثيل العمال المهاجرين في كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية الرسمية داخل أرض الوطن وفي مقدمتها البرلمان كما ينص على ذلك الدستور.

5- تعبئة الكفاءات والطاقات المهنية المغربية والأدمغة المهاجرة في إطار المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي والتنموي الشامل وتشجيع مغاربة الخارج على ولوج عالم السياسة والاقتصاد في المهجر مع مساعدتها في الحفاظ على هويتها واستمرار ارتباطها بمقوماتنا الوطنية والتاريخية والحضارية المغربية، تشجيع رجال الأعمال المغاربة المقيمين بالخارج على الاستثمار الأمثل في وطنهم الأم والحد من الاحتكار والحيف والسطو والرشوة المتفشية التي تمثل عائقا أو هاجسا للخوف على أموالهم ومشاريعهم. ثم التفكير الجدي والجماعي في مشاكل شبيبتنا في المهجر والظروف القاسية التي يعانون منها والتي تمس حاجياتهم وكرامتهم ومستقبلهم في ظل الأزمة وحمايتهم من التغرير بهم في جحيم الإرهاب والتطرف.

6- مراجعة بعض بنود اتفاقية الشراكة مع أوروبا بما يحمي حقوق المهاجرين المغاربة سواء شراكة الوضع المتقدم أو شريك من أجل الديمقراطية.

7- متابعة ملف الاتفاقيات الثنائية التي تعني المغاربة القاطنين بالخارج، ومتابعة تحيينها من أجل تعزيز المكتسبات الحقوقية للعمال المغاربة بالخارج والحفاظ على الحقوق الاجتماعية للمهاجرين وعلى قابليتها للانتقال عند العودة إلى الوطن ومتابعة ما تقوم به الدولة المغربية من مجهودات كالتفاوض مع دول الاستقبال لاستكمال النقص الحاصل في للإطار الاتفاقي الدولي الثنائي والمتعدد الأطراف بين المغرب وهذه الدول الخاص بتنظيم وحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومصالح الجالية المغربية بالخارج وداخل المغرب بالنسبة للعائدين والمتقاعدين فيما يخص الحماية الاجتماعية والتقاعد للمغاربة القاطنين بالخارج بأوروبا وبالخليج وافربقيا والعالم العربي كما هو منصوص عليه بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/ 158 في 18 ديسمبر1990
·    نائبة برلمانية مقيمة بإيطاليا

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.