قربال يكتب : “الحقوق بنضالنا نفديها والإصلاحات بوعينا نحميها”

نورالدين قربال*
هذا هو الشعار الذي اختاره الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بمناسبة فاتح ماي 2013، للعيد العمالي. وكنت أتبادل أطراف الحديث مع مجموعة من الإخوان حول الشأن العام، واحتفالات فاتح ماي. وعقب علي أحدهم قائلا “لقد أعجبت بالشعار الذي رفعه الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب. الذي ينص على أن” الحقوق بنضالنا نفديها والاصلاحات بوعينا نحميها”.
فألح علي تحليل هذا الشعار ونسج مقال يليق بالمقام. فأصبت بالحرج لأني لست نقابيا ممارسا ولكن شريكا. وإن كنت قد مارست النقابة ردحا من الزمن. وقلت سأركب صهوة الاجتهاد وأبذل الجهد من أجل هذه القراءة المتواضعة.
وأنا على عتبة النص، يفاجئنا العنوان بجماله وبنحته. فهو عنوان لكل مقام بلاغي وصرفي ولغوي. إذا فهناك توازن بين المكونات المرفلوجية للجزء الأول والثاني. بين الابتداء والمصدر والفعل المقرون بالمفعول به. ومما يربط الفصلين معا “العطف الذي يعطي الاطراد”.
وكما يقول أهل اللغة، بأن كل تغيير في المبنى يؤدي إلى تغيير في المعنى. فماذا عن المعاني التي يختزنها الشعار؟
في تقديري هناك سؤالان جوهريان : ما المقصود بالحقوق؟ وما مضمون الاصلاحات؟ إن الإجابة على هذين السؤالين حتمت علي الرجوع إلى أدبيات هذا الاتحاد والله أسأل التوفيق.

أولا: منهاج النضال الحقوقي:
إن الاتحاد الوطني للشغل نقابة شريكة ترتبط بالمرجعية الإسلامية والهوية والأصالة. والعمل النقابي مؤسسة تربوية، تغرس في الجميع روح المسؤولية وإتقان العمل فيه. ومن أهم الأسس المعتمدة في هذا المجال: المسؤولية والالتزام والشورى والديمقراطية والاستقلالية والجماهيرية والانفتاح ووحدة الطبقة الفاعلة.
ومن أهم الشروط للنضال أن تكون المطالب موضوعية، وتبنى على إقناع الطرف الآخر، والمذكرات الاقتراحية،  وإتقان فن التفاوض، ونشر ثقافة التضامن، وترتيب المطالب بين الأفقية المشتركة، والقطاعية والفئوية. وهذا نقيض الأنانيات التي تعدم المشروعية والشرعية. مع احترام المقتضيات القانونية.
انطلاقا مما ذكر، واعتمادا على الاعتصام بحبل الله، وتعزيزا لمنطق الواجبات بالأمانة والحقوق بالعدالة واستحضارا للوضعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومعطيات الأزمة العالمية، انطلق الاتحاد داعما أوراش الإصلاح، وبرامج الحكامة، ومقاومة الفساد، ودعم الفئات المعدمة.
لقد انخرط الاتحاد في فكرة نداء الإصلاح الديمقراطي. مطالبا باصلاحات دستورية، والاختيار الديمقراطي، وتوازن السلطات.
وانطلاقا من هذه الأسس الكبرى تناسلت مجموعة من الشروط التي أصبحت موطن نضال مستمر أهمها :

– توفير الضمانات السياسية والقانونية والمسطرية لتحقيق الاصلاح السياسي والمؤسساتي.
– الثقة في العمل السياسي والنقابي.
– نزاهة وشفافية الانتخابات مع انهاء كل أشكال التحكم والسلطوية والإفساد.
– إلغاء وإنهاء مظالم مرحلة التحكم والسلطوية.
– إصلاحات في المجال الاقتصادي، والاجتماعي.
– الإصلاح في إطار الاستقرار.
1/ الفداء من أجل الحقوق:
إن الهم النضالي يتطلب الفداء والصمود من أجل القضايا التالية:
– توفير الحماية الاجتماعية.
– محاربة التمييز ضد المرأة خاصة في أماكن العمل.
– إعادة الاعتبار للمرأة هو اعتبار للمجتمع.
– تفعيل تقارير اللجنة التنفيذية والتوصيات على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد.
– الدفاع على حقوق إخواننا المقيمين بالخارج.
– تثمين تشكيل اللجنة الاستشارية العليا للحوار الاجتماعي.
– تحضير أنظمة أساسية عادلة ومنصفة للشغيلة.
– إحالة تقارير الافتحاص على القضاء ومحاسبة المتورطين من أجل تنافسية مستدامة وعمل لائق.
– إصلاح أنظمة التقاعد.
2/استنتاجات:
نستنتج مما سبق أن الاتحاد إضافة نوعية في المشهد النقابي المغربي. إذ ظل يشتغل بالملفات والمطالب المشروعة والعادلة للطبقة الشغيلة.
وهذا عمل يتطلب الموازنة بين أداء الواجبات والمطالبة بالحقوق. بناء على الحوار، وبلورة قوة اقتراحية ايجابية وبناءة.

ثانيا: محطات من الإصلاحات الاجتماعية:
هناك محطات نستحضرها ونحن نقرأ هذا الشعار. إنه النضال الذي بذل خلال مرحلة “الحماية” والاستقلال والربيع الديمقراطي وحركة 20 فبراير وخطاب 9 مارس ودستور 2011 وانتخابات 2011 …
إن هذه معالم كبرى لابد من حمايتها، والاستمرار في تفعيلها وتحيينها طبقا لسنن التطور، مستحضرين ثلاث معادلات صعبة. الإصلاح في إطار الاستقرار- التوفيق بين النمو الاقتصادي والمتطلبات الاجتماعية- والتقليص من التأثر بالأزمة الاقتصادية.
وحتى لا أخوض فيما بذل من مجهود على المستوى المالي والاقتصادي، لأن هناك أهل التخصص في هذا الباب ولكن أطرح السؤال التالي: ما هي أهم الانجازات التي حققتها الحكومة بالتنسيق مع الفاعلين على المستوى الاجتماعي؟
تم دعم صندوق التماسك الاجتماعي ب2مليار درهم ابتداء، وخصص لصندوق التكافل العائلي 160 مليون درهم بهدف تغطية نفقات40 ألف امرأة كمرحلة أولية، واستفاد من برنامج تيسير700 ألف مستفيد. وتم ترشيد النفقات العمومية مما جعل الخزينة تستفيد 5 مليار درهم. كل ما أذكره مرتبط بسنة 2011/2012. وتم تخصيص نسبة 20 في المئة للمقاولة الوطنية على مستوى الاستثمار. وتشجيع المقاولات غير المهيكلة حتى تصبح غير ذلك بمحفزات كثيرة.  وتشكيل لجنة للنظر في المشاكل العالقة للاستثمار. وحذف رسم الكهرباء استفاد منه 3 ملايين شخص. وخصصت 1000 درهم كحد أدنى لتعويض المتقاعدين الذين كان أحسنهم لا يتجاوز 500 درهم أو زيادة ضئيلة في أحسن الأحوال. ووضعت 13 مليار درهم للحوار الاجتماعي. والتخفيض من أثمنة الأدوية بنسب مهمة. وتعميم التغطية الصحية حتى تشمل حوالي 8 مليون نسمة. والإعفاء من مستحقات التأخير الضريبي قدر في السنة الأولى ب36 مليون درهم. وإحالة تقارير المجلس الأعلى للحسابات على القضاء. ومواجهة ريع السكن الوظيفي. السعي إلى إصلاح منظومة العدالة. اعتماد دفتر التحملات في كل المرافق ومواجهة الاستفادة بغير حق مشروع. التوظيف بالمباراة بناء على مبدأ الاستحقاق. والزيادة في منح الطلبة. ومحاربة الموظفين الأشباح. والدعم الحكومي للجمعيات عن طريق التعاقد على برامج، ونهج مسطرة طلب عروض.وتقنين عمل الأطباء وهيئة التعليم في القطاع الخاص بالنسبة للموظفين بالقطاع العام. ووضع مخطط تشريعي لرسم خريطة الإنتاج التشريعي خلال هذه الفترة. والتعيين في الناصب العليا أصبح متاحا للجميع مع احترام المقتضيات القانونية الجديدة. وترشيد مراسيم الصفقات العمومية حتى تكون منصفة للجميع. الاجتهاد في البنية التحتية على جميع المستويات. وتشجيع المقاولات الصناعية حتى احتلت الصناعة اليوم الرتب المتقدمة على مستوى الاستثمار. والحوار الدائم للحكومة مع ممثلي الشعب خاصة رئيس الحكومة والتي أصبحت جلساته تستقطب ما يفوق 4 مليون مشاهد. وربط المسؤولية بالمحاسبة والعمل بالوظيفة والأجرة بالعمل وإن كان الاتحاد له موقف آخر من هذه القضية في إطار رؤية شمولية تتوسط بين مساندة الحق الدستوري والتمييع الذي ساد ردحا من الزمان على حساب التنمية. وإصدار منشور يحارب التغيب عن العمل بدون سبب مشروع. وجعل أولويات الحكومة في إصلاح صندوق المقاصة، والتقاعد، والجبايات والأبناك..وتوفير 2 نقط في معدل النمو و100 منصب شغل نتيجة محاربة الريع. ونشر لائحة الموظفين الأشباح. وعقلنة حوالي مليون و500 هكتار للملك الخاص للدولة. كما تشجعت حوالي 190 شركة لدعم صندوق التماسك الاجتماعي ب3 ملايير درهم في 2012.  كما تم تنصيب لجنة للتفتيش خاصة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكونة من الداخلية والمالية والمجلس الأعلى للحسابات. وأخيرا وليس آخرا أصبح المغرب قبلة للمستثمرين خاصة عندما توجه إلى إفريقيا.
خلاصة القول:
إن الشعار المطروح من قبل مسيري ومدبري الإتحاد الوطني للشغل بالمغرب كان موفقا. والعلة في ذلك أن الحقوق تفدى بالنضال، والاصلاحات تحمى بالوعي. ومن مؤشرات هذا الوعي أن الاتحاد لم يدعو إلى مسيرات تدعم خياراته الإصلاحية. من باب استعراض العضلات وإنما اختار النضال الوسطي الاعتدالي المبني على الحكمة. وإعطاء كل ذي حق حقه. بدون مزايدات أو ترضيات. وهذا المنهج ليس جديدا وإنما وظف مع سائر الحكومات. لأن المحرك ليس الأيديولوجية البراغماتية المبنية على الحزبية الضيقة وإنما انطلاقا من الشعار الخالد لدى الاتحاد ألا وهو الواجبات بالأمانة والحقوق بالعدالة.
*عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.